لماذا الإسلام والتوحيد

لماذا الإسلام والتوحيدالشيخ حسين العوايشةالإسلام والتوحيد سبيل السعادة في الدارَيْن لمن يبحث عنها، ولا يَعْرف هذا إلا مَن صَدق وأخلَص في إسلامه وتوحيده؛ فإن الله -عزّ وجلّ- خلقَ الخلْقَ ولم يتركهم هَمَلاً... . وهل تتْرُكُ أنت أيها المخلوق مالك وبيتك ومتاعك لِعَبَثِ العابثين؟! فكيف تعتقد هذا بالرب -سبحانه-...؟. والذي خلَق يجب أن يُعبَد، بل أن يُفرَدَ بالعبادة، ولا يُشركَ معه إلهٌ آخر، لا مَلَكٌ مُقرّب، ولا نبيٌ مُرْسَل، ولا وَلِيٌّ صالحٌ، ولا جمادٌ ولا شجَر ولا حجر ... إلخ. ومِن طبيعة الإنسان حبُّ التفرُّد ... وأنت لا ترضى لِـمَن تُوظِّف وتستخدم أن تعطيَه المال ثمّ ينصرفَ إلى خِدمة الآخرين والتفرُّغٍ لشؤونهم. فكيف بمَن خلَقَك وخلَق السماوات والأَرَضين، وكيف بمَن رزَقَك وأنْعَمَ عليك وأفْضَلَ، وقد قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل : 17] ... وكيف يُعبد مَن لا يستطيع خلْق ذُبابة، بل وإنْ يسلبْه الذباب شيئاً لا يستنقذْه منه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب﴾ [الحج : 73] . فالمادة التي يسلبها الذباب تتحوّل إلى مادة أُخرى، ومهما كانت عَظَمَةُ مَنْ سُلِب منه هذا الشيء، فإنّه لا يستطيع إعادة حقِّه على الصورة الأولى التي كانت. إنّ هذا الخالق العظيم -سبحانه وتعالى- لم يخلقْ الخَلْق عَبَثاً ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون : 115]. وإنّ هذا الربَّ العظيم -سبحانه- له أسماء وصفات يجب التعرُّف عليها ... إنّه سميعٌ بصيرٌ عليمٌ قديرٌ عظيمٌ ... لا يُعجزُه شيءٌ في الأرض ولا في السماء ... إنّ عظَمَةَ الخلْق والمخلوقات دلّتْنا على عظَمَة الخالق -عزّ وجلّ-، ويجب أنْ نعتقدَ أنّ سمْعَ الخالق وبصَرَه وعِلْمه وعَظَمَته كلّ أولئك يفوق سمْعَ وبصرَ وعلمَ وعظَمَة المخلوق ... كما يترتب على هذا، الثوابُ والجزاءُ. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)[الزلزلة]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لَتُؤدُنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يُقادَ للشاة الجَلْحَاء من الشاة القرناء» [أخرجه مسلم: 2582] ... أي: يُقتصَّ للشاة التي لا قرن لها من الشاة التي لها قرن. ولا يمكن للقائد العظيم أن يرى جُنْديّه يَعْصيه ويسخر منه ويستهزئ ثمّ يتركه دون حساب أو عقاب؛ فكيف بربّ كل شيءٍ وملِيكِه ؟! فمِن أعظم أسباب العذاب النفسي وعدمِ الراحة، عدمُ توحيد الخالق -سبحانه- ومعصيتُه، فهل أنت تُريح مَنْ عصاك وخالفك؟. ومن هذه الصفات: الكلام، وفيه بيانُ مُراد الخالق العظيم مِنْ خَلْقه وتوضيحُ ما يرضيه وما يُغضبُه. وفي تدبُّر كلامه -سبحانه- سرُّ السعادة في الدارين، وفي الإعراض عنه الشقاء والعذاب. ومن ثمرة الاعتقاد بأسماء الله الحسنى وصفاته العُلا؛ الاستقامة في السرّ والعلن والظاهر والباطن، فاعبد الله كأنّك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنّه يراك... . وقد بَحَثَ الناس عن السعادة في المال والنساء والشهرة والطعام والشراب .. فلم يجدوا بغيتهم -وإنْ كانت هذه الأمور لا يُستغنى عنها بضوابطَ وشروط-؛ وذلك أنّ هؤلاء قد عَصَوا ربّهم فعاقبَهم، لأنّهم لم يهتمّوا بمرضاة ربّهم -عزّ و جلّ-، ولم يبالوا بغذاء قلوبهم وأرواحهم. فغذاء البطون والفروج لا يُغْني عن غذاء القلوب والأرواح. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكُر ربَّه: مَثَلُ الحيّ والميّت » [أخرجه البخاري: 6407]. وهل هناك وسيلة للتعرّف على شرع الله -عزّ وجلّ-؛ فهو -سبحانه- في السماء وعباده في الأرض؟ نعم؛ لقد أرسَل الله -عزّ وجلّ- الرسل مُبشّرين ومُنذِرين وبيّنوا أوامرَ الله ونواهيَه، ومعهم آياتُ الله -عزّ وجلّ-؛ فالإيمان بهم واجبٌ، وطاعتهم لا بدّ منها، والكفر بهم كُفرٌ بالله، وعصيانهم عصيانٌ لربِّ العالمين -سبحانه-. ولا يجوز للناس أن يُفرِّقوا بين أحدٍ من رُسُله، قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]. ومحمد صلى الله عليه وسلم أمَرنا أن نؤمن برُسُل الله -عزّ وجلّ- كُلِّهم، فيجب الإيمان بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتَم النبيّين، وآخر الـمُرسَلين. والكفر به أو بأيّ رسول كُفرٌ بالله -عزّ وجلّ- يُخلِّد صاحبَه في النّار. وقد بيّن الله -سبحانه- في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الحقوق المفروضة كلَّها؛ وعلى رأسها توحيده -سبحانه- وإفراده بالعبادة والطاعة، والصلاة والصيام، والزكاة والحج والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والدعاء ... إلخ. وبيّن الأركان والفرائض والواجبات والسنن والمستحبات، والحلال والحرام، وكذا ما ينبغي أن يكون عليه المرء مِن خُلُقٍ وسلوك؛ وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «إنّما بُعثت لأُتمّمَ مكارم الأخلاق» [أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» و«التاريخ الكبير» والحاكم وأحمد وغيرهم، وانظر «الصحيحة» (45)]، وفي الحديث: «إنّ مِن خِيارِكُم أحاسنَـكم أخلاقاً» [أخرجه البخاري: 3559 ، ومسلم: 2321]، والإسلام يصقُل خُلُق الإنسان وسلوكه، فيتأدّب بآداب الإسلام الحنيف؛ فيكون إيجابياً مِعْطاءً، مفتاحَ خيرٍ، مِغلاقَ شرٍّ. كما بيّن الإسلام كيف يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان مهما كان اعتقاده ودينه. وفي الحديث: «تصدّقوا على أهل الأديان» [أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» وابن أبي حاتم في «التفسير» وغيرهما، وانظر «الصحيحة» (2766)]، فيشرع إعطاء أهل الأديان مِن صدقات النافلة. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قدِم الطُّفَيل وأصحابُه فقالوا: يا رسول الله! إنّ دوساً قد كَفَرت وأَبَت، فادعُ الله عليها، فقيل: هَلَكَت دَوْس، فقال: «اللهم اهدِ دوساً وأْتِ بهم». [أخرجه البخاري: 2937، ومسلم: 2524]. ودين التوحيد دين طمأنينة وسعادة ورحمة ورِفْق ولين؛ فقد حرَّم قتْلَ الآمنين وترويعَهم، فلْيحذر أولئك الذين يسارعون إلى التفجير ونشر الرُّعب؛ فإنّهم يُنفّرون الناس من الدين، ويصدّونهم عن التوحيد والإيمان، مع أنّنا مأمورون بدعوتهم والإشفاق عليهم من نار الدنيا والآخرة؛ ببيان فضائل هذا الدين وخصائصه، وما فيه مِن أسباب الراحة والأمن والنجاة والفوز. وقد قال الله -تعالى- لموسى وأخيه -عليهما السلام-: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ﴾ [طه]. ويجب أن يكون الإنسان متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله -عزّ وجلّ- فيه: ﴿وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء: 107]. فلْتكن رحمةً لكل شيءٍ للإنسان والدواب والبهائم والطيور والشجر والثّمر... . وقد حرّم الله -عزّ وجلّ الظلم على نفسه، وجعلَه بين عباده محرّماً؛ فعن أبي ذرٍ -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: « يا عبادي إني حرَّمتُ الظُلْم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرّماً فلا تظالموا ...» [أخرجه مسلم: 2577]. وقال الله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]. فعليك أيها الإنسان أنْ تدعوَ الله -عزّ وجلّ- مُخلِصاً؛ أنْ يهديَكَ طريق الحق وسبيل الرّشاد، فإنْ كنت صادقاً في ذلك هداك الله -عزّ وجلّ- للتي هي أقوم. أسأل الله -عزّ وجلّ- أنْ يجعلَنا من أهل الهدى والسداد، ونعوذ بالله أنْ نكون من أهل البغي والفساد. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُلَخَّص أحكام الصيام من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله

رمضانيات