ذِكْرُ نوعَيِ الجهاد،وبيانُ أهمّهما للعباد،والبلاد-من دُرر العلامةعبدالرحمن السعدي-.



ذِكْرُ نوعَيِ الجهاد ،
وبيانُ أهمّهما للعباد ، والبلاد
-من دُرر العلامة عبد الرحمن السعدي-رحمه الله-


"الجهادُ نوعان : 
* جهادٌ يُقصَد به صلاحُ المسلمين وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم , وجميع شئونهم الدينية والدنيوية , وفي تربيتهم العِلميّة والعَمليّة .
وهذا النوعُ هو أصلُ الجهاد وقِوامُه.
وعليه يتأسّس :
* النوعُ الثاني , وهو جهادٌ يُقصَد به دفعُ المعتدين على الإسلام والمسلمين -من الكفار والمنافقين والملحدين وجميع أعداء الدين- وُمقاومتهم .
وهذا نوعان : 
* جهادٌ بالحجة والبرهان واللسان .
* وجهادٌ بالسلاح المناسب في كل وقت وزمان .
هذا مجملُ أنواعه -على وجه التأصيل- .
أما التفصيلُ ؛ فنقول:
قال تعالى- : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً } [آل عمران : 103 ].
وقال تعالى : { هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم } [الأنفال :: 62 , 63 ] .
وقال : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أَخَوَيْكم } [الحجرات : 910 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( وكونوا عباد الله إخواناً ؛ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يَكذٍبه ولا يخذُله ) .
وقال : ( مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمُهم وتعاطُفهم مثل الجسد الواحد ).
... إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالّة على هذا الأصل العظيم .
فإن من أعظم الجهاد السعيَ في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين , واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية, في جمع أفرادهم وشعوبهم , وفي ربط الصداقة والمعاهدات بين حكوماتهم -بكل وسيلة-.
ومن أنفع الأمور : أن يتصدّى لهذا الأمر جميعُ طبقات المسلمينمن العلماء والأمراء والكبراء وسائر الأفراد منهم ؛ كل أحد يَجِدُّ بحسب إمكانه .
فمتى كانت غايةُ المسلمين واحدةً وهي ( الوحدة الإسلامية )، وسلكوا السبلَ الموصلةَ إليها , ودافعوا جميعَ الموانع المُعَوِّقة والحائلة دونها- : فلا بد أن يصلوا إلى النجاح والفلاح . 
ومما يُعين على هذا: الإخلاصُ وحُسْنُ القصد فيما عند الله من الخير والثواب , وأنْ يعلموا أن كل سعي في هذا الأمر من الجهاد , وفي سبيل الله ، ومما يقرّب إليه وإلى ثوابه . وأنّ المصلحة في ذلك مشتركةٌ ؛ فالمصالحُ الكلّياتُ -العامة تُقَدّم على المصالح الجزئيات الخاصة .
ولهذا ؛ يتعين عليهم أن لا يجعلوا الاختلافَ في المذاهب! أو الأنساب! أو الأوطان! داعياً إلى التفرُّق والاختلاف :
فالرب واحد .
والدين واحد .
والطريق لإصلاح الدين وصلاح جميع طبقات المسلمين واحد .
والرسول المرشد للعباد واحد .
فلهذا ؛ يتعيّن أن تكون الغايةُ المقصودةُ واحدةً .
فالواجبُ على جميع المسلمين السعيُ التامُّ لتحقيق الأخوّة الدينية والرابطة الإيمانية.
فمتى علموا وتحقّقوا ذلك , وسعى كلٌّ منهم بحسب مقدوره , واستعانوا بالله، وتوكّلوا عليه , وسلكوا طُرُقَ المنافع وأبوابَها , ولم يخلُدوا إلى الكسل والخَوَر واليأس: نجحوا وأفلحوا .
فإنّ الكسل والخَوَر واليأس من أعظم موانع الخير ؛ فإنها منافيةٌ للدين ، وللجهاد الحقيقي :
فمَن استولى عليه الكسلُ والخَوَرُ: لم ينهض لمكرمة .
ومَن أَيِسَ مِن تحصيل مطالبه انشلّت حركاتُه ، ومات وهو حيٌّ .
وهل أخّر المسلمين -في هذه الأوقات- إلا تفرُّقُهم , والتعادي بينهم , وخَوَرُهم , وتقاعُدُهم عن مصالحهم والقيام بشئونهم ؛ حتى صاروا عالةً على غيرهم ؟!
ودينُهم قد حذّرهم عن هذا أشدَّ التحذير , وحثَّهم على أن يكونوا في مقدِّمة الأمم -في القوة والشجاعة , والصبر والمصابرة , والمثابرة على الخير , والطمع في إدراكه , وقوّة الثقة بالله في تحقيق مطالبهم , ودفع مضارّهم , وكمال التصديق بوعد الله لهم بالنصر-إذا نصروه- , وبالنجاح -إذا سلكوا سُبُلَه- , وبالإعانة والتسديد -إذا كَمَلَ اعتمادُهم عليه- : { إنْ تكونوا تألمَوُن فإنهم يألمَوُن كما تألمَوُن وتَرْجُون من الله ما لا يَرْجُون } [النساء : 104 ] –.
قال تعالى : { من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نحبَه ومنهم مَن ينتظر وما بدّلوا تبديلاً } [الأحزاب : 23 ].
هذا نعتُ رجال الدين : الصدقُ الكاملُ فيما عاهدوا الله عليه , مِن القيام بدينه ، وإنهاضِ أهله , ونصرِه بكل ما يقدرون عليه  من مقالٍ ومالٍ وبدَنٍ وظاهر وباطن .
ومِن وصفهم : الثباتُ التامُّ على الشجاعة والصبر , والمضيّ في كل وسيلة بها نصرُ الدين :
فمنهم الباذلُ لنفسه .
ومنهم الباذلُ لماله .
ومنهم الحاثُّ لإخوانه على القيام بكل مُستطاع مِن شئون الدين .
والساعي بينهم بالنصيحة والتأليف والاجتماع .
ومنهم المُنَشِّطُ بقوله وجاهه وحاله .
ومنهم الفذُّ الجامعُ لذلك كله ؛ فهؤلاء رجالُ الدين وخَيَار المسلمين ؛ بهم قام الدينُ ، وبه قاموا , وهم الجبالُ الرواسي في إيمانهم وصبرهم وجهادهم , لا يردُّهم عن هذا المطلب رادٌّ , ولا يصدُّهم عن سلوك سبيله صادٌّ ; تتوالى عليهم المصائبُ والكوارثُ , فيتلقّونها بقلوبٍ ثابتة , وصدورٍ منشرحة ؛ لعلمهم بما يترتّب على ذلك من الخير والثواب والفلاح والنجاح .
وأمّا الآخرون  وهم الجبناء المرجِفون – ؛ فبعكس حال هؤلاء ؛ لا ترى منهم إعانةً قوليّة ولا فعليّة ولا جِدِّيّة ; قد ملَكَهم البخلُ والجُبنُ واليأسُ ، وفيهم الساعي بين المسلمين بإيقاع العداوات والفتن والتفريق .
فهذه الطائفةُ أضرّث على المسلمين من العدوِّ الظاهر المحارب , بل هم سلاحُ الأعداء على الحقيقة . 
قال تعالى فيهم وفي أشباههم : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خَبَالاً ولأوضعوا خِلالَكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم } [التوبة : 47 ] ،أي : يستجيبون لهم تغريراً أو اغتراراً . 
فعلى المسلمين الحذَرُ من هؤلاء المفسدين ؛ فإنّ ضررَهم كبيرٌ ، وشرَّهم خطيرٌ !
وما أكثرَهم في هذه الأوقات , التي اضطُرَّ فيها المسلمون إلى التعلُّق بكل صلاح وإصلاح , وإلى مَن يُعينهم ويُنَشِّطُهم!
فهؤلاء المفسِدون يُثَبِّطون عن الجهادِ في سبيل الله ، ومُقاومة الأعداء , ويُخَدِّرون أعصابَ المسلمين ، ويُؤْيِسونهم مِن مجاراة الأمم في أسباب الرُّقِيّ , ويُوهِمونهم أنّ كل عمل يعملونه لا يُفيد شيئاً ، ولا يُجدي نفعاً.
فهؤلاء لا خيرَ فيهم بوجهٍ مِن الوجوه ؛ لا دينَ صحيحٌ , ولا شهامةَ دينيّة , ولا قوميّة ، ولا وطنيّة ، لا دينَ صحيحٌ , ولا عقلَ رجيحٌ . 
فلْيعلم هؤلاء ومَن يستجيب لهم أن الله لم يُكَلِّفِ الناسَ إلا وُسْعَهم وطاقتَهم , وأن للمؤمنين برسول الله أسوةً حسنةً ؛ فقد كان له صلى الله عليه وسلم حالان في الدعوة والجهاد ؛ أُمِرَ في كل حالٍ بما يليقُ بها ويناسبها :
* أُمِرَ –في حال ضعف المسلمين، وتسلُّط الأعداء: بالمدافعة , والاقتصار على الدعوة إلى الدين , وأن يُكَفَّ عن قتال اليد ؛ لما في ذلك من الضرر المُرْبِي على المصلحة .
* وأُمِرَ –في الحالة الأخرى– :أن يَستدفع شرورَ الأعداء بكل أنواع القوّة , وأن يُسالِمَ مَن تقتضي المصلحةُ مسالمتَه , ويُقاوِمَ المعتدين الذين تقتضي المصلحةُ  بل الضرورةُ محاربتَهم .
فعلى المسلمين الاقتداءُ بنبيِّهم في ذلك , وهو عينُ الصلاح والفلاح" .
العلامة:علي بن حسن الحلبي الأثري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُلَخَّص أحكام الصيام من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله

رمضانيات