فضائل التوحيد




إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلامضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله.أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثةبدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار ، وبعد : 

عباد الله/ اعلموا –رحمكم الله- أن توحيدَ اللهِ، وإفرادَه بالعبادة هو الذي من أجله خلق اللهُ الجِنَّ والإنسَ، كما قال الله تعالى (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58)) [الذاريات:56-58] ، كما أن التوحيد هو المقْصَدُ الأسمى الذي من أجله بعث اللهُ جميع الأنبياء والمُرسلين من بَدْءِ الخليقة، إلى رسالة خاتَمِ النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك يقول الله تعالى(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)[الأنبياء:25].



أيها المسلمون/ لقد كان التوحيدُ هو الحِصنُ الحصين الذي تحصَّن به جميعُ الأنبياء والمرسلين، كما كان أوَّل شيء وأهمُّ شيء يدعون إليه في تبليغ رسالاتِ الله إلى أقوامهم مع دعوتهم إلى مكارم الأخلاق، وإلى البُعد عن المعاصي المنتشرة فيهم، قال الله تعالى(لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) [الأعراف:59]، وقال سبحانه (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) [هود:05]، وقال تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) [هود:61]، وقال تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) [هود:84]. وخاطب اللهُ سبحانه رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت) [الأعراف:158].



أيها المؤمنون/ إنه لأهميةِ التوحيدِ، وبيان أنه أساس الدّين وحصنُه الحصين، شهدَ الله سبحانه به فقال تعالى (شهد4 الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو5 العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم(18)) [آل عمران:18].



كما بيّن الله تعالى في القرآن الكريم أن توحيدَ اللهِ هو من أَجَلِّ النِّعم التي أنعمَ الله بها على عباده، والتي توجب عليهم الشكر، والثناءِ لله تعالى عليها قال سبحانه (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) [الإسراء:111] والمعنى: عَظِّم شأن ربِّك مهلّلا ومكبّرا، لأن وجود إلهين اثنين سببٌ لخراب العالم ودمارِه، فكان التوحيدُ أجَلَّ النِّعَم على العبادِ حيث يرجعون إلى ربٍّ واحد، ويتوجّهون إلى إله واحد، هو الإله الحق، قال تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) [الأنبياء: 22]

.

أيها المسلمون/ إن الله تعالى كَمَا أَمَرَ بالتوحيد فإنّه سبحانه نهى عن ضدّه ألا وهو الشّرك، فَحَرَّمه وحذّر منه، وبيّن أنه محبطُ للأعمال فقال سبحانه (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين(65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين(66)) [الزمر:65-66]. فعبادةُ الله وحده لا شريك له هو حق الله على عباده وأعظم واجبٍ عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه:«يا معاذ أتدري ما حق الله على العبادِ؟ وما حق العباد على الله؟ فقلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حقَّ الله على العبادِ أن يعبدوه، ولا يُشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا...»[الحديث رواه البخاري، ومسلم]. 

وقد أمر الله تعالى نبيَّه وكلَّ مسلم، بل كلَّ الإنس والجنّ أن يجعلوا العبادة كلّها للهِ وحده فقال سبحانه في كتابه العزيز (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(163)) [الأنعام:163].



أيها المسلمون/ إنه تعظيما لعقيدة التوحيد فقد قدّمه الله على الاستغفار وسبقه بالعلم فقال تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلّبكم ومثواكم) [محمد: 19]. وهذا كلّه تنبيهٌ على أهمية التوحيد القصوى وتقديمه على كلّ الشعائر، إذ هو الأساسُ الذي تُبنى عليه كل العبادات، وما لا أساسَ له فهو مُنهار، وصاحبُه يناله الخزيُ وعذابُ النار.

إن الإسلامَ يمتاز بوضوح مبادئه، ويُسرِ قواعده، لأنه يقوم على وحدَانيةِ الخالقِ سبحانه، وتتضح سُهولةُ الإسلامِ ويُسرُهُ بسبب التوحيدِ الخالصِ، حيث جاءَ هذا الدّينُ بمحو الشّركِ كاملًا ثم غَرَسَ عقيدة التوحيد الشّاملة الصافيةِ في النّفوس على أَكمل الوجوه.



أيها المسلمون/ إن معنى التوحيد هو: الاستسلامُ لله بالتوحيد، والانقيادُ له بالطّاعة والبراءةُ من الشّركِ وأهلهِ. أن تستسلمَ لله وتُوحّدَه وتنقادَ لطاعته فلا تتمرد عليه ولا تتكبّر عن عبادته، ولكي تكون موَحِّدًا كاملًا، أيها المسلم فيجب عليك أن تحقِّقَ ثلاثة أمور:

الأوّل: أن تؤمن بالله ربًّا وخالقًا ورازقًا ومالكًا ومُدَبِّرًا قال تعالى (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) [الأعراف:54]. 

الثاني: أن تؤمن بأنه لا يستحق العبادةَ إلا الله وحده لا شريك له (وما من إله إلا الله) [آل عمران:62]، والإله معناه: المعبود.

ثالثا: أن تؤمن بأن الله تعالى مُتَّصِفٌ بصفاتٍ عُليا، وله أسماءٌ حسنى لا تُشبه صفات المخلوقين ولا هو يُشبه المخلوقين قال تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع العليم) [الشورى:11]، وقال تعالى (قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4 )) [الإخلاص:1-4]. وهذا هو معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود بحقٍّ إلا الله. لأن الإله في اللغة العربية هو المعبود، قال تعالى (وما كان ربك نسيا (64)رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا (65))[مريم: 64-65] ومعنى سميا: مساميا ومشابها ومساويا ومماثلا من المخلوقين.

وأعظَم العبادةِ الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«الدّعاء هو العبادة. ثم قرأ قوله تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) [غافر:60] ». فمن دعا غير اللهِ فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد عَبَدَهُ من دون الله وإن لم يعتقد أنه هذا الغير خلَقَ ودَبَّرَ فإن كفارَ قريش لم يكونوا يُنكِرون وجودَ الله، ولا يُنكرون أن اللهَ هو الخالق والرازق والمدبِّر للكون، كما قال تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) [الزخرف:87]. وقال تعالى (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله قل أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون (89)) [المؤمنون:84-89]. إذن ماذا كانوا يُنكرون؟ كانوا يُنكرون أن تكون الألوهية لله وحده قال تعالى (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون(35) وقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون(36) بل جاء بالحق وصدق المرسلين(37)) [الصافات: 35-37]. وقال تعالى في شأنهم أنهم قالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب(5) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد(6)) [ص: 5-6] ، وقال تعالى (ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) [الزمر:3].



أيها المسلمون/ أخلصوا لله تعالى بالتوحيد، واحذروا الشرك الذي هو أن يَتَّخِذ العبد من دون الله نِدًّا (أي: شبيها، ومماثلا)، يسوِّيه بربّ العالمين، يُحبّه كحبّ الله ويخشاه كخشية الله، ويدعوه مع الله أو من دون الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو يطيعه في معصية الله قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك2 به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) [النساء:48].

وحافظوا على توحيد الله، فإن ثمار التوحيد كبيرة، وفوائده كثيرة، ومنافِعه جليلةٌ على الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة. فمن فضائله:

1-
أنه أكبر دافع للرغبة في الطاعة، فالموحِّد يعمل لله في السِّرِّ والعلن بخلاف المُرائي فلا يعمل إلا إذا كان بحضرة الناس.

2-
أنه سبب للأمن والاهتداء قال تعالى (الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)[الأنعام:82]. 

3-
أنه سبب لمغفرة الذنوب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«قال الله تعالى: يا ابنَ آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك ما كان منك ولا أبالي. يا ابنَ آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابنَ آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» [رواه الترمذي، وقال حسن صحيح] .

4-
أنه سبب لشفاعة المصلين للميّت المسلم إذا صلى عليه عددٌ من أهل التوحيد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:«ما من رجُلٍ مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجُلا لا يُشركون بالله شيئا إلا شفّعهم الله فيه» رواه مسلم.

5-
أنه سبب للتمكين في الأرض، والنصر على الأعداء قال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)[النور:55] . وقال تعالى (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) [آل عمران:151] .

6-
أنه سبب الاتفاق والبعد عن التنازع والشقاق والاختلاف فلا اتحاد ولا وحدة بدون التوحيد، وقد قيل: كلمة التوحيد طريق إلى توحيد الكلمة، قال تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) [البقرة:137].

7-
أنه سببٌ للقناعة بالقليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا كان يأكلُ أكلًا كثيرًا، فأسلم فكان يأكل أكلً قليلًا، فذُكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:«إن المؤمن يأكل في معًى واحد، والكافرَ يأكل في سبعةِ أمعاء» [رواه البخاري في كتاب الاطعمة (5397)].

8-
أنه سبب لشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فقد قال صلى الله عليه وسلم :«أسعدُ الناسِ بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا مُخلصا من قلبه» [رواه البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه].

9-
أنه سبب لدخول الجنّة على ما كان من العمل، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسولُه، وأن عيسى عبدُ الله ورسولُه، وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، والجنّة حقٌ، والنار حقٌ، أدخله الله الجنّة على ما كان من العمل» [متفق عليه ].

10-
أنه سببٌ لأن يكون الموحِّدُ حرامًا على النار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«فإن الله حرَّمَ على النار من قال:لا إله إلا الله يبتغي بها وجهَ الله» [متفق عليه] . وفضائل التوحيد كثيرة جدا.

كيف يكون تحقيق التوحيد (أي تخليصه من الشرك الأصغر والأكبر)؟ يكون بثلاثة أمور:

1-
بالعلم (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) [محمد:19] .

2-
الاعتقاد فإذا علمتَ ولم تعتقد واستكبرتَ لم تحقق التوحيد (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) [ص:5] فإنهم لم يعتقدوا انفرادَ الله بالوحدانية.

3-
الانقياد : (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون(35) وقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون(36)) [الصافات:35-36].



فاتقوا الله أيها المسلمون/وتعلّموا شريعةَ ربكم، وسنّة نبيّكم، وقدّموا الأهمّ فالأهمّ، وأهمُّ علم، وأَجَلُّ معرفة، وأولى علم هو الاهتمام بالتوحيد عقيدةً وقولًا وعملًا، ودعوة في كل زمان ومكان، لأن التوحيد هو أول واجب على الإنسان، وآخر واجب عليه قبل الموت، وهو واجب في كل الحياة وإلى الممات، قال تعالى(فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [البقرة:132] .

والحمد لله رب العالمين.

كتبه أبو سعيد بلعيد بن أحمد 21 جمادى الأولى 1429 هـ الموافق لـ 27 مــــــــــاي 2008م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُلَخَّص أحكام الصيام من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله

رمضانيات